بعد تحذيرات ستارمر.. خطاب الكراهية يهدد الوحدة الوطنية في المملكة المتحدة
بعد تحذيرات ستارمر.. خطاب الكراهية يهدد الوحدة الوطنية في المملكة المتحدة
حذّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من أن العنصرية القديمة تعود إلى السياسة البريطانية، مشيراً إلى أن هذا الواقع يجعل الناس يشعرون بخوف حقيقي ويهدد الوحدة الوطنية.
وأوضح ستارمر في مقابلة مع الإعلامي أمير خان، الثلاثاء، أن المشهد السياسي الحالي منقسم بين مشروع حزب العمال الذي يدعو إلى إعادة إحياء روح التضامن والتسامح، وبين خطاب الكراهية والانقسام الذي يروج له حزب ريفورم وبعض التيارات اليمينية المتطرفة، وفق شبكة “يورونيوز”.
وأكد ستارمر أن بعض الخطابات العنصرية والانقسامية التي كان يُعتقد أنها تجاوزت منذ عقود بدأت تعود للواجهة، ما يضع المجتمع أمام تحدٍ خطير من حيث الأمان المجتمعي والاعتراف بالحقوق المدنية للأقليات.
يشير ستارمر إلى أن مفهوم المواطنة في بريطانيا يجب أن يرتكز على التعاطف والتسامح والعقلانية، وأن الهوية الوطنية لا تعني التمييز أو استبعاد أي فئة، مؤكداً ضرورة مواجهة كل أشكال العنصرية لضمان مجتمع أكثر عدلاً وتلاحماً.
الأسباب والتداعيات الإنسانية
تتعدد أسباب عودة خطاب العنصرية في السياسة البريطانية بين التوترات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات الهوية، واستغلال التيارات الشعبوية لمخاوف الناس من التغيرات الديموغرافية والهجرة، وقد أظهرت استطلاعات رأي ومسوحات وطنية أن معظم الأشخاص من خلفيات عرقية وآسيوية يعتبرون أن المجتمع ما يزال عنصرياً بدرجة كبيرة أو إلى حد ما، كما أظهرت إحصاءات الشرطة البريطانية ارتفاع جرائم الكراهية في الأعوام الأخيرة، مع تسجيل نسبة كبيرة من هذه الجرائم بدوافع عنصرية.
ترتبط هذه البيئة الاجتماعية بالمعاناة الإنسانية للأقليات، حيث يؤدي تصاعد خطاب الكراهية إلى خلق مخاوف يومية تهدد السلام النفسي وتؤثر على جودة الحياة، كما أن الانقسامات الاجتماعية الناتجة عن التمييز تجعل من الصعب على المجتمعات المتنوعة الحفاظ على وحدة وطنية قوية، ويزيد من الاستقطاب المجتمعي ويفتح المجال أمام سياسات الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي.
تعد المدارس وأماكن العمل من أبرز المواقع التي تشهد استمرار التمييز على أساس العرق أو الدين، ما ينعكس على فرص التعليم والعمل ويزيد من معدلات الفقر وعدم المساواة.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر من ثلثي الأشخاص من الأقليات العرقية واجهوا تمييزاً لفظياً أو جسدياً في الحياة اليومية، ما يعكس أثر الخطاب السياسي على الأمن المجتمعي والثقة بالمؤسسات.
ردود الفعل المحلية والدولية
واجه حزب ريفورم يو كي انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، حيث وصفته منظمة التعليم الوطنية البريطانية بأنه يميني متطرف وعنصري، وأكدت المنظمات الحقوقية المحلية ضرورة مراقبة نشاط الأحزاب السياسية ومنع خطاب الكراهية، مع توفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا من الأقليات العرقية والدينية.
وأشارت تقارير منظمات مثل "أوقفوا الكراهية في المملكة المتحدة" إلى أن العنصرية ما تزال تمثل أعلى نسبة بين جرائم الكراهية المسجلة في المملكة المتحدة، ودعت إلى تعزيز الوعي الاجتماعي والتشريعات الرادعة، كما ركزت بعض المنظمات الدولية على التزام بريطانيا بالاتفاقيات الدولية لمكافحة التمييز العنصري، مؤكدين أن أي استخدام للخطاب السياسي لتمكين الكراهية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً للوحدة الوطنية.
وأكد ستارمر ووزيرة المالية راشيل ريفز أن الحكومة ملتزمة بخفض معدلات فقر الأطفال، من خلال برامج الدعم الاجتماعي مثل الوجبات المدرسية المجانية ودعم رعاية الأطفال، مع دراسة إمكانية إلغاء الحد الأقصى لمخصصات الأسرة لطفلين، وقد أظهرت دراسات أن إلغاء هذا الحد سيخفف من حدة الفقر لدى مئات الآلاف من الأطفال ويضمن حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والتغذية.
تعمل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني في بريطانيا لتعزيز ثقافة المواطنة المتساوية ورفض التمييز، وتحث على برامج تعليمية واجتماعية لتدريب المجتمع على التسامح والانفتاح.
وتشدد السياسات الجديدة على أن خطاب الكراهية يجب أن يُواجه عبر القانون والمجتمع، وأن حماية الأقليات تمثل استثماراً في الاستقرار الوطني والأمن المجتمعي.
خلفية تاريخية ودروس مستفادة
يشير تاريخ بريطانيا إلى أن العنصرية شكلت تحدياً مستمراً منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع موجات عنف وتمييز استهدفت الجاليات السوداء والآسيوية، وكان لذلك أثر كبير على الهوية الوطنية والمجتمع، وقد أظهرت مراجعات مثل Lammy Review"" استمرار التفاوت في التعامل مع الأقليات في النظام القضائي وسوق العمل، مما يعكس الحاجة إلى سياسات طويلة المدى لضمان المساواة والعدالة.
ويأتي تحذير ستارمر في هذا السياق كدعوة لتجديد الالتزام الوطني بالقيم الديمقراطية ومواجهة أي خطاب عنصري قبل أن يترسخ ويؤثر على سلامة المجتمع ووحدة البلاد.
وتعمل الأمم المتحدة منذ تأسيسها على مكافحة العنصرية والتمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الجنس أو اللغة أو أي خصائص أخرى، وقد أطلقت الأمم المتحدة العديد من الحملات والمبادرات لمكافحة العنصرية والتمييز ووقف خطاب الكراهية.
كما تعمل الأمم المتحدة على تعزيز التعايش السلمي والتفاهم بين الشعوب والثقافات والأديان المختلفة، وتشجع على تبني قيم الاحترام والتسامح والتعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أهمية التعليم باعتباره أقوى سلاح لمحاربة العنصرية وتجارة الرقيق، مشيرا إلى أن مشروع الاستعباد الشرير استمر لأكثر من 400 عام، وكان يمثل أكبر حركة هجرة قسرية في تاريخ البشرية.
وأشار إلى أن الخطاب العنصري الذي استخدم في الماضي لتبرير تجارة الرقيق غير الإنسانية، يتشابه مع ما يُستخدم في خطاب الكراهية الذي يعود للظهور من المنادين بتفوق العنصر الأبيض في العديد من الدول الغربية.










